آخر المقالات

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاثنين، 24 يونيو 2019

كتاب "نقد الليبرالية" للطيب بوعزة :

كتاب "نقد الليبرالية" للطيب بوعزة :

كتاب نقد الليبرالية للدكتور الطيب بوعزة هو تحليل نقدي للنسق الليبرالي، يتناول الأسس المفاهيمية والمعرفية لليبرالية، ويرتكز على مقاربتها تاريخيا وسوسيولوجيا.
ينقسم الكتاب على ستة فصول :
·         يبحث الفصل الأول في دلالة مفهوم الليبرالية، حيث يرفض الكاتب التعريف الشعاراتي الذي بصفها بأنها "مذهب الحرية"، ويقر بأن هذا المفهوم يلحن عن أصله الاشتقاقي ليعبر عن رؤية مذهبية لها أساسها الفكري ونظريتها السياسية والاقتصادية؛ رؤية ترتكز على أولوية الفرد بوصفة كائنا حرا. كما يشير الكاتب إلى السياق التاريخي والثقافي لنشأة الليبرالية، فيربطها بعصر النهضة الأوربية، وما شهده من حراك ثقافي، وانفتاح على العالم، وميكنة النزعة الإنسية، وتطور المعرفة العلمية، وتحول القوة التجارية إلى قوة صناعية، فتظهر الليبرالية بوصفها تحريرا للقن من الأرض ليتحول إلى عامل قادر غلى الإنتاج في المصانع، وبالتالي فالفكرة جاءت أول الأمر استجابة لمتطلبات الثورة الصناعية.
·         يتطرق الفصل الثاني إلى النظرية السياسية الليبرالية، حيث يعرض الكاتب أهم الأطروحات التي أسهمت في تشكيل هذه النظرية، فينتقي لهذا الغرض ثلاثة نماذج فلسفية هي ميكيافيللي ولوك ومونتسكيو، فيشرح محللا كيف أخذت الليبرالية من فكر ميكيافيللي ميله للحكم الجمهوري، وتوكيده على فصل الفعل السياسي عن الأخلاق، وإعطاء الأولوية للمصلحة على القيم، ومن فكر لوك مفهوم الحق الطبيعي، وربط حالة الطبيعة بالحرية والمساواة، وكذا منظوره الذري التجزيئي في رؤية المجتمع، وأخذت من فكر مونتسكيو فكرة الفصل بين السلط الذي ستتحول إلى مرتكز ثابت في بناء المجتمع الليبرالي.
·         يهتم الفصل الثالث بالنظرية الاقتصادية الليبرالية، فيبدأ الكاتب هنا بمناقشة الرؤية الليبرالية للإنسان، التي تتميز بكونها رؤية مادية اقتصادية كمية تحدد الإنسان حسب ما يملك من وسائل الإنتاج (المادية أو الجسدية) وتسلب الإنسان أية دوافع أية غايات أخرى ترقى فوق الدافع الاقتصادي. ثم يتحدث الكاتب عن ليبرالية المذهب الفيزيوقراطي التي تكمن في قداسة الملكية الخاصة، وحرية الفرد في التصرف في ملكيته، ورفض تدخل الدولة في الواقع الاقتصادي؛ هذا المذهب المشدود إلى الفعل الإنتاجي الزراعي، والذي يدعو إلى تحرير التجارة من سلطة الدولة لأنه لا يؤمن بأهميتهما، كرد فعل نقدي على المركانتيلية التي تنزع نحو تقدير الصناعة والتجارة. بعدها يعرض الكاتب ويناقش ثلاث نظريات اقتصادية أساسية في المذهب الليبرالي : أولا نظرية اليد الخفية لآدم سميث الذي يعد العمل صدر الثروة ومحدد القيمة، ويرفض تحديد حرية الفرد الاقتصادية، ويدعو إلى ادخار فائض الرأسمال وتركيمه لاستعماله في الاستثمار، ويرى أن التصنيع هو المدخل إلى التنمية، كما شدد على فكرة تقسيم العمل، ويصر على أن ثمة قانونا طبيعيا يحكم تصرفات الأفراد، وهو عبارة عن يد خفية تضبط الواقع الاقتصادي وتحفظ توازنه، ومن ثم لا ينبغي على الدولة التدخل في الاقتصاد، إلا أن أفكار سميث في مجملها تنزع في نظر الكاتب نحو تثبيت قيم نفعية لا إنسانية. ثانيا النظرية الاقتصادية لريكاردو، والذي انطلق من مسألة النمو الاقتصادي بسبب التراجع الحاد في وضع الاقتصاد البريطاني في زمنه، فخلص إلى وجوب الاهتمام بتركيم الرأسمال، وكون العمل محددا للقيمة، كما ميز بين طبقة المأجورين وطبقة الرأسماليين وطبقة الملاكين العقاريين، مع انحياز إلى طبقة الرأسماليين في خيانة صريحة لمبدأه القائم على مركزية العمل. وثالثا النظرية الاقتصادية لمالتوس الذي نظر في مفهوم الثروة وعلاقتها بالنسل، فأنتج رؤية ديموغرافية تشاؤمية تعتمد على الاختلاف الكائن بين نمو السكان ونمو الموارد، وتساهم في بلورة مواقف غير إنسية تجاه حق الحياة.
·         يختص الفصل الرابع في الليبرالية الجديدة، حيث يبدأ الكاتب بعرض السياق التاريخي لنشأة النيوليبرالية، فيقول بأن اشتداد النقد للأيديولوجية الليبرالية بدأ منذ النصف الأول للقرن العشرين، بسبب التحولات التي طرأت على المجتمعات الغربية بسبب الحرب العالمية الأولى، وانتصار الثورة البلشفية ومعها نشأة النظام الاشتراكي، ثم تأتي الضربة الهائلة التي هزت الاقتصاد الرأسمالي على شكل الأزمة الاقتصادية لسنة 1929م، يليها ظهور النظرية الكينزية التي تدعو لتدخل الدولة في مقاربة الاقتصاد، في معارضة صريحة للتوصيات الليبرالية، على يد اللورد جون كينز سنة 1936م، فتتبنى اقتصاديات ما بعد الحري العالمية النظرية الكينزية، إلى غاية عام 1973م حين سيشهد الاقتصاد العالمي أزمة أخرى بسبب ارتفاع أسعار النفط، فيتم القول بأن من أسباب الأزمة أيضا ارتفاع نفقات الدولة بسبب المقاربة الكينزية، ليتم العودة إلى النظام الليبرالي، لكن هذه المرة باسم جديد : النيوليبرالية، حيث لا فرق بينهما إلى في بعض المبادئ الإجرائية وأسلوب مقاربة العملية الاقتصادية. بعد هذا يذهب الكاتب إلى عرض أهم أفكار المدارس النيوليبرالية؛ كالمدرسة النمساوية التي تميزت بنزعة نفسية، ومدرسة لوزان التي جاءت بآراء جديدة حول القيمة والتبادل والتوازن العام. ثم ينطلق إلى تحليل تأثير هذه النظريات على السوق من خلال مقارنة شكلين للسوق، هما وضعية المنافسة التامة ووضعية الاحتكار التام، ثم شكلين آخرين أكثر واقعية، هما وضعية المنافسة الاحتكارية ووضعية الاحتكار العددي. كما يشير الكاتب إلى أن النيوليبرالية قد تجاوزت كونها نظرية اقتصادية لتصبح مشروعا ثقافيا يدعو للعولمة الكاملة، ونشر ثقافة استهلاكية تهيمن عليها خدمة المصالح الغربية.
·         يطرح الفصل الخامس إشكال الليبرالية والحرية والسؤال الأخلاقي، فيحلل المدلول الليبرالي للحرية، ويرصد كيف تطور هذا المفهوم إلى أن أصبح محددا في حرية الفرد المالك اقتصاديا، لا بصفته كائنا إنسانيا. أما عن الأخلاق الليبرالية، فهي أخلاق عملية تهدف لضمان تحقيق الربح المادي والمنفعة الشخصية، حيث يجعلها فلامان في ثلاثة محددات، هي : التأكيد على فعل الادخار، واحترام العقود، والمسؤولية. أما بتنام فقد انتهى إلى أن المبدأ الأخلاقي الوحيد هو مبدأ المنفعة المرتبطة باللذة، كما قسم اللذات إلى لذة متجانسة يمكن قياسها كميا من خلال معايير المدة والشدة والتيقن من الإنجاز والقرب والخصب والصفاء والامتداد، وأخرى غير متجانسة يصعب قياسها كميا، وبالتالي يخلص الكاتب إلى أن الفلسفة الأخلاقية الليبرالية هي في جوهرها غير أخلاقية.
·         ينظر الفصل السادس في الخطاب الليبرالي العربي، فيشير إلى قدم الاهتمام بالإديولوجية الليبرالية من قبل الفكر النهضوي العربي، لكنه يركز على أن هذا الاهتمام لا يعني بالضرورة القدرة على الفهم هذه الإديولوجية بشروط إنتاجها وصيرورتها، كما ينفي الكاتب صفة الليبرالية عن رواد الفكر العربي النهضوي مثل الطهطاوي والتونسي والأفغاني ومحمد عبده والكواكبي، دون أن ينفي أن هؤلاء استمدوا بعض مفاهيمها وشكلوا بداية دخولها إلى الواقع العربي. وخفت صوت الليبرالية العربية خلال منتصف القرن العشرين، لكن بعد هزيمة سنة 1967م تصدعت صورة النموذج الاشتراكي، وتوسعت الصحوة الإسلامية لتصبح تيارا جمعيا. إلا أن هذا التيار لم يستطع الصمود بدأ من تسعينيات القرن العشرين بسبب إخفاق الجهاد الأفغاني وبعض التجارب الحركية الإسلامية الأخرى، لتبرز من جديد نخبة الليبراليون الجدد وعلى رأسهم أحمد البغدادي، وشاكر النابلسي، وسيار الجميل، وكمال غبريال. لكن الكاتب يرى أن أعمال هؤلاء تفتقر إلى الجدية والعمق في التحليل، فهم يرون الليبرالية مطلقا ثقافيا يرتكز على العلمانية والعقلانية والإنسانية والنفعية دون أي تحليل معمق لمفاهيمها وشرط نشأتها وإشكالياتها.
يؤكد الكاتب في الخاتمة على أن الليبرالية ليست "مذهب الحرية" ولا هي "مذهب نهاية التاريخ"، بل جاءت نتيجة لأوضاع تاريخية محددة، وقد حان وقت تجاوزها وإيجاد البديل. لكن الدكتور الطيب بوعزة لا يقدم هذا البديل، بل يكتفي بالتوكيد على ضرورة إعمال الوعي النقدي، وتأصيل مفاهيم التفكير.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

Post Top Ad

Your Ad Spot